الأزمات الاقتصادية واحدة من معاير التأثير في العالم كله، قد تضر ببعض البلدان ضرر بسيط وقد تضر ضرر قوي، وتلك القوى المتفاوته حسب نوع الأزمة نفسها، فمما لا شك فيه أن سنة 2020 كانت سنة صعبة لكل ما تحمله الكلمة من معنى فقد مر عالمنا باختبار صعب للغاية فقد وقف العالم بخبرائه وعلمائه وأطبائه مكتوف الأيدي أمام فيروس كورونا الذي أنتشر في كل أرجاء المعمورة بسرعة غريبة وأثر بالسلب على كل أركان الحياة وكل المجالات ومنها الصحية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية.
فهذه الأزمة دخلت كل الدول الغنية والفقيرة فالجميع كانوا تحت وطأة الفيروس مشلولين أمام الخسائر اليومية المادية والبشرية، فوصلت الخسائر الاقتصادية على مستوى قطاع السياحة (1.3 تريليون دولار) في سنة 2020، وكان أكبر اقتصاد حينئذ اقتصاد امريكا فقد تأثر تأثرا لم يتأثره منذ الحرب العالمية الثانية.[1]
فيروس كورونا والاقتصاد العالمي:
وفقا للكثير من التقديرات والأبحاث والدراسات فيتوقع أن تكون الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن هذا الفيروس تقترب من (2.7 تريليون دولار) وهناك تقارير أخرى تشير أن الخسائر ستتجاوز هذا الرقم بكثير، فقد كان من المتوقع أن تصل الخسائر الاقتصادية العالمية بسبب تلك الأزمة في النصف الأول من سنة 2020 إلى (ست تريليونات دولار) بالإضافة إلى انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 11% مقارنة بسنة 2019.
إقرأ أيضا:أعياد مصر والنقود “فكة عيد الفطر”وقد أكد صندوق النقد الدولي على دخول الاقتصاد العالمي منطقة الركود نتيجة لإنتشار كورونا وقد تكون الإجراءات الواجب اتباعها لانتشال الاقتصاد العالمي غير كافية، وأكدت مديرة صندوق النقد الدولي أن فيروس كورونا كعل الاقتصاد العالمي يمر لمرحلة انكماش ويتوجب للتغلب على هذه المرحلة تمويل كبير للغاية لمساعدة الدول الفقيرة ولم يحدث خلال تاريخ صندوق النقد الدولي كله أزمة مثل هذه الأزمة التي أصابت الاقتصاد بالشلل.[2]
أضرار طويلة الأجل:
ينتج عن أوقات الركود تداعيات طويلة عن طريق تقليل معدلات الابتكار والاستثمار وانخفاض منحى رأس المال البشري لدى العاطلين والانسحاب من مجال التجارة العالمية وانقطاع سلسلة التوريد، كما أن أضرار فيروس كورونا تتسم بأنها طويلة الأجل ومؤثرة للغاية على الاقتصاد العالمي وينتج عنه أزمات مالية كبيرة وأيضا في الدول التي تنتج الطاقة وتصدرها وذلك بسبب انهيار سعر النفط وقد يؤثر فيروس كورونا على الأسواق الاقتصادي في الدول النامية لمدة خمس سنوات، وقد يصاحب ذلك الكساد أزمة مالية تقلل اجمالي الناتج المحلي بنسبة تصل إلى (8%).
أما عن الدول التي تصدر الطاقة فيصاحب الكساد انهيار في سعر النفط وفي اجمالي الناتج المحتل بنسبة تصل (11%)، فمذ ظهور الأزمة لم تبرز التداعيات طويلة الأجل بعد، ولكن لو لم نتبع سياسيات مالة واضحة لمعالجة تلك الأزمة لاستمرت لأجل غير مسمى، فلو لم يتحرك العالم سريعا ويتعامل مع الأزمة لشهدنا افلاس أغلب الشركات بسبب عدم مقدرتها على سد احتياجاتها المالية وخروجها من دائرة الانكماش الاقتصادي المفرغة.[3]
إقرأ أيضا:البورصة المصرية تخسر 16 مليار جنيه في أول جلسة لشهر نوفمبر 2023أثر أزمة فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي:
مع بداية سنة 2020، كانت البيئة الاقتصادية العالمية تسيطر عليها حالة من التوتر والجهل حول مدة هذا الأزمة وتأثيرها على الاقتصاد، لأن الأزمة أثرت بشدة على الدول الكبرى في مجال الاقتصاد، فتأثير الأزمة كانت كبير على السبع دول الكبار (G7) وتضاف إليهم الصين بالطبع، وحتى نعرف حجم الأزمة، فالمجموعة الدولية التي تضم الصين واليابان والولايات المتحدة وأمانيا وفرنسا وبريطانيا وايطاليا.
يمثلون في عمليات الطلب والعرض العالميين نسبة تصل إلى (60%)، وتمثل من التصنيع العالمي نسبة تصل إلى (65%)، ومن الصادرات الصناعية العالمية نسبة تصل إلى (41%)، وعلى وجه الخصوص فإن كوريا وأمانيا واليابان والصين والولايات المتحدة تصدر أزماتها عدوى عالمية تؤثر على كل دول العالم تقريبا.[4]
مظاهر الأزمات الاقتصادية التي يواجهها العالم بسبب الفيروس:
1- حالات الذعر والتوتر التي تنتشر وتتوغل بين الناس بسبب الفيروس بالإضافة إلى غياب الثقة في القرارات والسياسات الحكومية قد يجعل البعض ينتهج سلوك يسمى “سلوك القطيع” التي ينتج عنها الفوضة ويدفع الناس لشراء الكثير من المواد الاستهلاكية وسحب كل الأموال من البنوك وبالتالي تؤثر مثل تلك الأفعال على الاقتصادات وتؤدي إلى كوارث اقتصادية عالمية محققة.
إقرأ أيضا:أسعار الدواجن اليوم الثلاثاء 17 أكتوبر في بورصة الدواجن الرئيسية2- انخفاض حاد في عملية العرض والذي يؤدي إلى انكماش الانتاجية والذي يترتب عليه بالتبعية اعلاق الشركات في الكثير من الدول أماكن عملها.
3- انخفاض حاد في عملية الطلب بسبب حظر التجوال والحد من حركة الأفراد وأيضا السفر الذي سيضر بعملية الطلب وحجمها والأسواق بشكل كبير.
4- كما تأثرت السلاسل التوريدية ففي بداية سنة 2020 كان فيروس كورونا يتمركز في دول الصين وانتشر إلى أن وصل إلى اليابان ثم إلى كوريا وكانت وقتها هي أكثر الدول تضررا وعندما ننظر إلى تلك الدول ومركزيتها في السلاسل التوريدية العالمية في الكثير من السلع المصنعة، يمكننا وقتها أن نرى آثار الفيروس على هذه السلاسل التوريدية العالمية.[5]
5- وقد قامت منظمة التجارة العالمية بإظهار بيانات الصين واتضح أنها تمثل (20%) من الاقتصاد العالمي والتي تتميز بالقدرات التصديرية الكبيرة للكثير من دول العالم أجمع، كما أن انتشار فيروس كورونا يؤدي إلي انتقال هذه العدوى من شخص لآخر ولتجنب ذلك الأمر أغلقت المصانع ونتج عنه كساد كثير من المصانع بيد الدول، فالدول التي تأثرت بشكل كبير ولم تستطع أن تتعامل بشكل مناسب مع الأزمة ستقل صادرتها بشكل ملحوظ، وبالتالي سيتأثر القطاع الصناعي في الكثير من الدول الأخرى والتي تعتمد على تلك الدول المنكوبة في الامدادات الصناعية.
وهذا الأمر معناه أن الكثير من الشركات والمصانع في الثلاث دول الكبرى اليابان وكوريا الجنوبية والصين في آسيا تصدر للولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الواردات الصناعية بنسبة تزيد عن (25%)، وتزيد تلك النسبة عن (50%) فيما يخص بقطاع الالكترونيات والكمبيوتر، ونتيجة لذلك فإن الدول التي تدخل في حلقة التبادل ستتأثر بشكل كبير.[6]
6- الشركات البترولية تسعى في العموم لتخفيض التكاليف التشغيلية لديها حتى يستمر وجودها في السوق، وبشكل خاص عندما انخفضت اسعار براميل البترول إلى 14 دولار بالإضافة إلى انهيار اسعار البترول الآجل في سنة 2020 إلي أقل من السنت الواحد للبرميل، الأمر الذي دفع البائعين أن يدفعوا للمشتريين في سوق النفط لكي يتخلصوا من كل الصفقات التي لديهم وبين أيديهم بسبب الانخفاض الحاد في مستويات عملية الطلب العالمي على النفط، ونتج عنه حدوث تشبع في مخزون البترول، الأمر الذي جعل معامل التكرير في أوروبا وأمريكا ترفض البترول السعودي.
7- الدول المستوردة هي أكثر الدول تأثر من التبعات الناجمة عن الأزمة، فالصين مثلا تجارتها ترتبط بشكل قوي مع أغلب بلدان العالم الثالث، فقد تأثرت تجارتها بسبب العوائق التي واجهتها في توصيل البضائع إلي تلك الدول نتيجة لانتشار هذا الفيروس وأيضا بسبب الانشغال بمكافحة هذا الفيروس، وهذا الوضع جعل الكثير البلدان في موقف صعب وخصوصا البلاد التي تعتمد في سد احتياجاتها على المنتجات الصينية
8- كما ساهم انتشار فيروس كورونا في خلق التوتر والربكة في الاسواق المالية العالمية وخصوصا الصينية، فقد شهدت أسهمها هبوط حاد وشديد أعمق تأثيرا منذ أزمة الرهن العقاري 2008.
9- قامت الكثير من الدول بعمل خطط خصيصا لمواجهة تلك الكارثة الصحية الاقتصادية، فقد سارت الصين في احدى الطرق الواقعية لكي تواجه هذه الأزمة واتبعت استراتيجية واضحة ألا وهي تقديم الدعم لأكثر الفئات تأثرا في الدولة، وعلى ذلك فلقد قدمت الصين الدعم للأسر الفقيرة والضعيفة، وبحثت عن أساليب جديدة حتى تصل إلى الشركات الناشئة والصغيرة فلقد راعت السلطات السرعة في إجراءاتها حتى تساعد هذا المشاريع والطبقات.
10- وفي شهر واحد سنة 2020 خفضت الصين من سعر الفائدة، لدعم الاقتصاد وتخفيض تكاليف تمويل أنشطتها التجارية بعد انتشار فيروس كورونا في الدول، وذلك قرار من ضمن القرارات المتخذة من جانب السلطات لتخفيف الآثار السلبية على النمو.
11- أما عن أمريكا فلقد واجهت تلك الأزمة بإصدار قرار عاجل من خلال المجلس الاحتياطي الفيدرالي ينص على وجوب خفض سعر الفائدة في الشهر الثاني من سنة 2020، كما تحركت أمريكا نحو اقتراض مبلغ كبيرة للغاية يقدر بـ ( 3 تريليونات دولار) خلال الربع الثاني من سنة 2020 لكي تواجه تلك الأزمة العالمة.[7]
12- أما عن ألمانيا فقد واجهت تلك الأزمة بضخ مبلغ وقدره (700 مليار يورو) لدعم صناعاتها المحلية في مواجهة تلك الجائحة، أما عن كوريا فقد توسعت في عملية الاقراض لأغراض عمليات مؤسسات الأعمال وأيضا تقدين الضمانات على تلك القروض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة المتضررين.[8]
توقعات المؤسسات الدولية للاقتصاد العالمي:
1- أحد الاقتصاديين قد توقع أن يصل انخفاض معدل النمو الموسمي (4%) في الصين، من شهر يناير إلى شهر مارس في سنة 2020، وتلك النسبة هي ربع موسمية للنمو في الصين.
2- كما قللت شركة الاستشارات الاقتصادية من توقعاتها في عملية النمو العالمي في هذا العام، وتوقعت أن يصل إلى: (2.5%: 2.3%)، وتلك النسبة هي أدنى نسبة منذ الانهيار المالي سنة 2008.
3- وقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن معدل النمو الاقتصادي من الممكن أن ينخفض بنسبة (50%) لو استمرت جائحة كورونا وبالتالي يؤثر بالسلب على الاقتصاد العالمي وتجعله في أسوء حالاته.
4- وجاء في دراسة الاونكتاد أن أزمة كورونا سينتج عنها ركود في الكثير من الدول وهناك سيناريوهات سيئة لو حدثت سنشهد عجز في الدخل العالمي بقيمة تقدر بـ (2 تريليون دولار)، كما دعت الاونكتاد إلى اتباع سياسات منسقة حتى نتجنب الانهيار في الاقتصاد العالمي، كما أوضحت احتمالية حدوث انخفاض في أسعار الأصول وانخفاض في عملية الطلب الكلي وستزيد مشكلة الديون وتتفاقم وسيحدث خلل في عملية توزيع الدخل ومن الممكن أن ينتج عن ذلك دوامة وخطوات كثيرة إلى الخلف تجعل من الوضع أكثر سوءا.
كما ناقشت الدراسة احتمالية حدوث افلاس على نطاق واسع ومن الممكن أن تحدث “لحظة مينسكي” وهي عبارة عن انهيار كبير مفاجئ يطرأ على قيم الأصول المالية، وخلاصة إلى ما جاء في دراسة اونكتاد أن فيروس كورونا سيؤثر على الاقتصاد العالمي وسيتسبب في عجز قدره (2تريليون دولار) في الدخل العالمي بالإضافة إلى (220 مليار دولار) في الدول الفقيرة.
5- وأكد تقرير بنك التنمية الآسيوي مخاوف الجميع فقد توقع هبوط حاد في نمو الاقتصاد العالمي الذي ينتج عن الآثار المترتبة على انتشار كورونا.[9]
[1] الطويل، عبدالوهاب، حصاد 2020 الفيروس الذي أربك العالم، مجلة الاقتصاد الاسلامي، بنك دبي الاسلامي، بنك دبي الاسلامي، الامارات، 2021.
[2] جمال، حمدي، الاقتصاد العالمي ما بعد جائحة كورونا، المركز العربي للبحوث والدراسات، نصر، 2020، ص21، 22.
[3] العشماوي، شكري رجب، والجابري، آمنة سالم، الأزمات العالمية ازمة كوفيد 19 نموذجا، دائرة المالية، حكومة دبي، الامارات، 2023، ص18.
[4] التلباني، أحمد محيي الدين، الازمات الاقتصادية العالمية والآثار المتوقعة لأزمة فيروس كورونا المستجد 2020، مجلة جامعة الاسكندرية للعلوم الادارية، المجلد 75 العدد 5، مصر، 2020،ص191.
[5] التلباني، أحمد محيي الدين، مرجع سابق، ص191، 192.
[6] التلباني، أحمد محيي الدين، مرجع سابق، ص192.
[7] التلباني، أحمد محيي الدين، مرجع سابق، ص193.
[8] التلباني، أحمد محيي الدين، مرجع سابق، ص193.
[9] التلباني، أحمد محيي الدين، مرجع سابق، ص193.