تعتبر أسعار النفط من أهم المؤشرات الاقتصادية والسياسية في العالم، حيث تتأثر بعدة عوامل مثل العرض والطلب والمخاطر الجيوسياسية والتوقعات المستقبلية. في هذه المقالة، سنحاول تحليل أسعار النفط في 6/11/2023، والتي شهدت ارتفاعا بعد إعلان السعودية وروسيا، أكبر مصدرين للنفط في العالم، عن مواصلة الخفض الطوعي لإنتاجهما حتى نهاية العام، وسنحاول توقع مسارها في الفترة القادمة.
الجزء الأول: الوضع الحالي لأسعار النفط اليوم
بحلول الساعة 06:54 صباحًا بتوقيت غرينتش (08:54 صباحًا بتوقيت القاهرة)، ارتفعت أسعار العقود الآجلة لخام برنت القياسي -تسليم يناير/كانون الثاني 2024- بنسبة 0.59%، لتصل إلى 85.39 دولارًا للبرميل. في الوقت نفسه، زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي -تسليم ديسمبر/كانون الأول 2023- بنسبة 0.68%، لتصل إلى 81.06 دولارًا للبرميل¹. وسجّل خام برنت خلال الأسبوع الماضي خسائر بنحو 4.8%، فيما انخفض خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 5.9%.
ويعود سبب الارتفاع الحالي لأسعار النفط إلى التزام السعودية وروسيا بتخفيضات طوعية إضافية في إنتاج النفط حتى نهاية العام، والتي تهدف إلى تحقيق استقرار أسواق النفط وتوازنها في ظل تراجع الطلب العالمي بسبب جائحة كورونا وتباطؤ النمو الاقتصادي. وأعلنت السعودية أمس الأحد 5 نوفمبر/تشرين الثاني أنها ستواصل خفضها الطوعي الإضافي بمقدار مليون برميل يوميا في ديسمبر/كانون الأول، والذي بدأ تطبيقه في شهر يوليو/تموز الماضي. بموجب الخفض سيبلغ إنتاج السعودية من النفط الخام، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، نحو 9 ملايين برميل يوميًا. من جانبها أعلنت روسيا مواصلة خفضها الطوعي الإضافي للإمدادات بمقدار 300 ألف برميل يوميًا من صادراتها من النفط الخام والمشتقات النفطية حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول.
إقرأ أيضا:آخر تحديث لأسعار الخضار والفاكهة اليوم الخميس 2 نوفمبر بالأسواقوتأتي هذه الخطوات في إطار اتفاق “أوبك”، الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها من الدول غير الأعضاء، والذي تم التوصل إليه في أبريل/نيسان 2020، والذي يقضي بخفض الإنتاج الإجمالي بنحو 9.7 مليون برميل يوميًا حتى نهاية يوليو/تموز 2020، ثم بنحو 7.7 مليون برميل يوميًا حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، ثم بنحو 5.8 مليون برميل يوميًا حتى نهاية أبريل/نيسان 2022. وتعتبر هذه أكبر تخفيضات في تاريخ سوق النفط، والتي تهدف إلى مواجهة تخمة المعروض وانهيار الأسعار الناجمين عن تفشي فيروس كورونا والحرب السعرية بين السعودية وروسيا في مارس/آذار 2020.
الجزء الثاني: التوقعات المستقبلية لأسعار النفط
رغم الارتفاع الحالي لأسعار النفط، فإن هناك العديد من العوامل التي تشير إلى أن السوق لا تزال ضعيفة ومتقلبة، وأن الأسعار قد تواجه ضغوطا نزولية في الفترة القادمة. من بين هذه العوامل:
– تراجع الطلب العالمي على النفط بسبب جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية التي تفرضها العديد من الدول للحد من انتشار الفيروس، مثل الإغلاقات الجزئية أو الكاملة وتقييد السفر والنقل والنشاطات الاقتصادية. وقد خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها للطلب العالمي على النفط في 2020 بنحو 8.8 مليون برميل يوميًا، وفي 2021 بنحو 5.7 مليون برميل يوميًا، مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة. وقد أشارت الوكالة إلى أن “التعافي الكامل من الجائحة سيستغرق وقتًا أطول مما كان متوقعًا في البداية”، وأن “المخاطر على الجانب السلبي تزداد”.
إقرأ أيضا:أسعار مواد البناء اليوم الأربعاء 16-10-2024– زيادة الإنتاج والمعروض من بعض الدول المنتجة للنفط، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر أكبر منتج ومستهلك للنفط في العالم. وقد أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة ارتفع بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا في أكتوبر/تشرين الأول 2023، مقارنة بسبتمبر/أيلول 2023، ليصل إلى 12.6 مليون برميل يوميًا. وقد ساهمت التقنيات الحديثة في استخراج النفط من الصخور الزيتية والرمال النفطية في زيادة إنتاج الولايات المتحدة وتقليل اعتمادها على الواردات. وقد توقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يصل متوسط إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة إلى 13.1 مليون برميل يوميًا في 2024.
– عدم اليقين والتوترات الجيوسياسية في بعض المناطق المنتجة للنفط، مثل الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، والتي قد تؤثر على استقرار الإمدادات والأسعار. ومن بين هذه التوترات: الصراع بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، والذي تصاعد بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، وفرضها عقوبات اقتصادية على إيران، واستهدافها للقائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020، ورد إيران بقصف قواعد عسكرية أمريكية في العراق. وقد أدى هذا الصراع إلى تهديد حرية الملاحة في مضيق هرمز، الذي يعتبر أهم ممر بحري لنقل النفط في العالم، حيث يمر من خلاله نحو 20% من إنتاج النفط العالمي. كما تشهد بعض الدول العربية، مثل العراق وليبيا واليمن وسوريا، حروبا أهلية واضطرابات سياسية وأمنية، تعطل إنتاجها وتصديرها من النفط. وفي أفريقيا، تواجه نيجيريا والجزائر وليبيا وأنجولا وجنوب السودان مشاكل اقتصادية واجتماعية وبيئية تؤثر على قطاع النفط. وفي أمريكا اللاتينية، تعاني فنزويلا والمكسيك والبرازيل والأرجنتين من أزمات سياسية ومالية وفساد تهدد صناعة النفط.
إقرأ أيضا:تعرف على أسعار الدواجن بالبورصة الرئيسية بعد تراجع سعر الأعلافوفي ضوء هذه العوامل، يمكن القول أن أسعار النفط ستظل متذبذبة ومتأثرة بالتطورات العالمية والإقليمية والمحلية، وأنه من الصعب التنبؤ بمسارها بدقة. ولكن بشكل عام، يمكن توقع أن تنخفض أسعار النفط في المدى القصير والمتوسط، نظرًا لوفرة المعروض وضعف الطلب، وأن ترتفع في المدى الطويل، نظرًا لنفاد الموارد وزيادة الطلب، خاصة من الدول النامية والصاعدة. ولذلك، يجب على الدول المنتجة والمستهلكة للنفط أن تتبنى استراتيجيات وسياسات تتناسب مع هذه التحديات والفرص، وأن تسعى إلى تحقيق التنوع الاقتصادي والطاقي والتعاون الدولي والإقليمي والمحلي.
وختاماً في هذه المقالة، حاولنا تحليل أسعار النفط في 6/11/2023، والتي شهدت ارتفاعا بعد إعلان السعودية وروسيا عن مواصلة الخفض الطوعي لإنتاجهما حتى نهاية العام، وتوقع مسارها في الفترة القادمة. وتوصلنا إلى أن أسعار النفط تتأثر بعدة عوامل متغيرة ومتناقضة، مثل العرض والطلب والمخاطر الجيوسياسية والتوقعات المستقبلية، وأنها ستظل متذبذبة ومتقلبة، وأنه من الصعب التنبؤ بمسارها بدقة. وأوصينا بأن الدول المنتجة والمستهلكة للنفط يجب أن تتبنى استراتيجيات وسياسات تتناسب مع هذه التحديات والفرص، وأن تسعى إلى تحقيق التنوع الاقتصادي في الطاقة والتعاون الدولي والإقليمي والمحلي.